المجاهد والقاضي السيد عبد المجيد هلايلي المدعو (عبد الحميد)

*المجاهد والقاضي عبد المجيد هلايلي

بقلم :صلاح تيمقلين
من مواليد كيمل حوز آريس سابقا في 27 أفريل 1938، ينتمي لأسرة عريقة في الدين والعلم، أسرة محافظة مجاهدة ثورية، متشربة بالروح الوطنية التواقة الى الانعتاق، يعتبر الأخ الأصغر لأربعة رجال ـ بلقاسم ومحمد ومحمد الطاهر ومحمد الصغير ـ سبلوا أنفسهم لله وصعدوا الجبل مع اندلاع الثورة التحريرية، تاركين وراءهم أبا شيخا ونساء لا عائل لهم الا الله عز وجل.
أسرة آل هلايلي الصغيرة التي تتألف من بيت واحد ضم ـ الشيخين سي عمر وأخيه الشقيق سي علي ـ ضم البيت الصغير بين جدرانه ثمانية رجال وبنتين ـ، ضحت الأسرة في سبيل الله والوطن بثلاثة رجال في عنفوان شبابهم نحسبهم شهداء عند ربهم يرزقون. محمد لخضر 1957 ومحمد الهادي 1960 وأحمد 1961 أبناء الشيخ سي على هلايلي.
درج المرحوم عبد الحميد على حب العلم والمعرفة في بيت أبيه، وقد حفظ القرآن على يد أبيه الشيخ سي عمر هلايلي الفقيه الورع، الذي كان من أعلام المنطقة ومشايخها الكبار. عندما فتح الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني مدرسة في كيمل في 1950 / 1951 التحق المرحوم بها وكان من المتميزين والمتقدين ذكاء كما وصفه أستاذه. حيث تحصل على المستوى الثانوي.
عند اندلاع الثورة التحق مع اخوته وأبناء عمه بالثوار دون تفكير، التحق جميع الرجال دون تردد، لم تبق الا النساء اللائي شاركن في الثورة بتقديم المساعدة ويد العون للثوار. وأبلى الأخ الصغير عبد الحميد الذي لم يتعد عمره آنذاك الستة عشر عاما البلاء الحسن طيلة سنين الثورة المباركة. وساهم في الكثير من المعارك، حيث أسر في معركة عين العزازة عام 1960، بعد أن ألقت عليهم القوات الفرنسية الغاشمة غازا ساما أدى الى اختناقهم فالقبض عليهم. بقي في غياهب سجون المستعمر الى غاية توقيف القتال في مارس 1962، حيث أطلق سراحه مع بقية المجاهدين، وقد عانى مع بقية إخوته مهانة السجن واذلاله.
بعد الاستقلال مباشرة التحق بالمفتشية الثانية لعمالتي باتنة وعنابة، حيث اشتغل كاتبا من الدرجة الأولى ـ آنذاك ـ ضاربا على الآلة الراقنة، من عام 1963 الى عام 1968، وفي هذه السنة انتقل الى مدينة وهران فاشتغل في سلك القضاء بمحكمة المرسى الكبير، وبعد أن أنهى دراسته الجامعية متحصلا على ليسانس من كلية الحقوق بالسانية، عين قاضيا في محكمة مدينة وهران، حيث تدرج في المراتب الى مستشار ثم رئيس غرفة .بقي في منصبه يؤدي في واجبه بكل أمانة وصدق الى أن تقاعد عام 2004. ظلت أعماله الخيرية تلازمه الى أن لقي ربه اليوم 02 أوت 2020. فرحمة الله عليه رحمة واسعة.

أسبوع على رحيلك... أخي الحبيب عبد الحميد
بقلم: صلاح الدين تيمقلين
ماذا عساي أكتب وقد غَيّبَكَ الأجَلْ، ماذا عساي أقول وفي بسمتك دائما بريق الأمَلْ، ماذا عساي أخُط والكلمات منك في خَجَلْ، أجَلْ... أجَلْ... لا شيء يَمْلآ فراغَكَ إلاّ الإيمَانُ بالله عز وجَلْ.
بحثتُ في القواميس لَعَلِّي أعْثُرُ عن كلمات خليقة لوصفك، وإبراز مكارم أخلاقك ومناقبك، في هذا الزمن الذي قل فيه أمثالك، وعَزَّتْ فيه مكارمٌ كانت خصالك، ومآثر كانت أقوالك وأفعالك. في زمن عزفت النفوسُ عن التقوى والكرم، وزهدَتْ في تبني هذه الشِّيَمْ، ونَأتْ بنفسها الى غياهب الصَّمَمْ، وخَارَتْ مِنَّا الهِمَم، وما بقيت فينا سوى أكوام من لحم ورِمَمْ. تُقَطِّعُ الأواصر وتَقْطَعُ الرَّحِمْ، فهل يُجْدِي غدا رجاءٌ أو ينفع الندم؟
أذْكُرُكَ دائما أخي، والذكرى تُؤرقني وتُسْهِدُنِي، وحُزْنُ فراقك قد غزى قلبي وأتْرَحَنِي، فأسبوع واحد على رحيلك آلمني وأحزنني... وعزائي دائما فيما تركته من وُدٍّ يُسليني ولا يُنسيني، سلام عليك أخي لا ينتهي فوق الأرض، وفي بطنها والى يوم العرض، سلام عليك في كل حين، سلام عليك في أصحاب اليمين، في جنات وروضات وبساتين، سلام عليك بأريج المسك والياسمين، يفوح شذاه الى يوم الدين.
أذْكُرُكَ أخي العزيز، والذكريات لا تنتهي، كثيرة تتدافع، لتنجلي وتتجلى كاشفة أعمالك التي زَكَتْ ثم عَرَّشَتْ، وانتشر ظلالها الوارِفُ في كل الأنحاء.
أذْكُرُ أخي العزيز وأنت تحملني في حضنك مسافة طويلة، من البيت الى المستشفى، وكنتُ في سن الثامنة من العمر، لتغيير الجبيرة عن ركبتي، كنتَ تُجشم نفسك هذا العناء، ولا تُبدي امتعاضا أوتعبا، أبدا، بل كنتَ تترنم طوال المسافة تارة بالقرآن وأخرى بأناشيد شجية تُطرب الأذن وتُقلص المسافة... هل تذكر ذلك أخي العزيز؟... هل تذكر؟
أذْكُرُكَ أخي العزيز، عندما أصْرَرْتَ على أخذي معك لمَّا غادرت باتنة لتستقر في وهران، أذكر جيدا تسجيلك لي بمدرسة (مولود فرعون بحي مارفال)، كانت فترة غالية جدا في حياتي، مازالت منقوشة في ذكرياتي، لن أنساها، بل لن أنساك أنت، أنت من زرعها وتعهدها بالعطف والرفق والحنان، حتى كَبُرَتْ وأينعت ثمارها. هل تذكر ذلك أخي العزيز؟... هل تذكر؟
أذْكُرُكَ أخي العزيز، في العطل الصيفة، كيف نقضيها على الشواطئ الغربية لمدينة وهران، أذكر جيدا، كنت تشتغل عندها بمحكمة المرسى الكبير، كانت سيارتك على صغرها واسعة تُقِلنا جميعا: (فؤاد ومحمد الصالح وعمر وأنا) الى المرسى، ومنه نكمل الطريق بمحاذاة الكورنيش ـ الطنف ـ، مَارِّينَ بجنة الشاطئ ـ Paradis plage ـ، وعين الترك، الى رأس فلكون ـ Cap Falcon ـ، وشاطئ بومو ـ Bomo Plage ـ الهادئ، الى شاطئ الأندلس ـ Les Andalouses ـ. وفي المساء نعود الى المرسى، عادة ما نكون متأخرين عن الموعد، رغم ذلك لم نلحظ في يوم استياءك أو امتعاضك عن تأخرنا، أو إبداء علامات عدم الرضا أبدا، دائما مبتسم منشرح فرح بعودتنا كيفما كان الوقت. هل تذكر ذلك أخي العزيز عبد الحميد؟... هل تذكر؟
أذْكُرُكَ جيدا أخي العزيز، في قرية مسرغين الصغيرة ـ آنذاك ـ وجَنَّاتِهَا ومزارعها ومياهها الرقراقة العذبة، وأصدقاءَك المحبين فيها، منهم: (الدِّين) أو (كحلوش) كما كان يحب أن تناديه، كنا كل أسبوع نمتطي السيارة ونتجه اليها عن طريق عين البيضاء. وقد نكمل الطريق في كثير من الأحيان الى بوتليليس فالعامرية، حيث تقابلنا بحيرة وهران التي تمتد من الشمال الشرقي الى الجنوب الغربي من عين الكرمة الى حاسي الغلة. هل تذكر ذلك أخي العزيز؟... هل تذكر؟
أذْكُرُكَ ُ أخي العزيز، وأنا طالب في جامعة وهران، طيلة أربع سنوات كاملة، لم أر منك الا ما يرضي الله، أذكر أيام فتحت لي البيت السفلي لأُدَرِّس فيه. أذكر مساعيك لأن أبقى في وهران بعد انهائي الدراسة، وقد اتصلتَ بالسيد عيسى عجينة مدير جريدة الجمهورية ـ وهو صهر الشيخ التهامي صحراوي ـ لأشتغل فيها، وأن تسعى لي في سكن. كنتَ تود لو أبقى بجنبك لكن القدر أعظم من أن يُجَارَى. هل تذكر أخي عبد الحميد؟ ... هل تذكر؟
كان منزلك يختلف تماما عن منازل كل الناس، كان ملاذا للمارين والعابرين والمقيمين، كان مُعْتَصَمًا لكل من أراد اللجوء، كانت أبوابه أبدا مفتوحة للكل، للقريب والبعيد وعابر السبيل، كان دوحة لمن دخله لن ينساه أبد الدهر، كم من قريب وغريب وصديق تَنَعَّمَ في فنائه وبين ساكنيه، كُنْتَ تستقبلهم باَسِمَ الثغر طَلْق المُحَيّا مُتَهَلِّلَ الأسارير بشوش الوجه، هاشا باشا في وجوههم، لا تُظهر الا الحنان والمودة والمرحمة.
هل تذكر أخي العزيز عبد الحميد كل هذا؟... هل تذكر؟
أعلمُ... نعم أعلمُ جيدا... انك تترفع عن مآثر خلود الذكر في الدنيا الزائلة الفانية، وترنو الى الآخرة الباقية. لكن هذا حق لا يَغْمِطُهُ أحدٌ أبدا، وهوـ حقيقة ـ قليل من كثير، فأعمالك الجليلَة وآثارك الجميلَة وسُنَنك الحسَنة واضحة، وفضائلك ومآثرك لا تحصى أبدا، فحيثما وجه الخيِّرُ وجهه إلا واجَهَتْهُ، وخيرك عم الكثير الكثير، لا يخفى على أحد قريبا كان أوبعيدا. وطريقك ميسورٌ أخي الحبيب ... طريقك عبدته أعمالك النَّيِّرَةْ، وأضاءته أخلاقك الخَيِّرَةْ، وحرسته مكارمك العَطِرَةْ، وحفته أعمالك المُنْتَثِرَةْ، ان شاء الله الى جنة الرحمن الخَضِرَةْ.

المجاهد والقاضي السيد عبد المجيد هلايلي المدعو (عبد الحميد) Yaoc111

» الشيخ عبد المجيد بن عبد الرحمن بوزيد
» المجاهد البطل الطاهر غواطي
» المجاهد الأسطورة جرعاوي امحمد
» المجاهد الأسطورة جرعاوي امحمد
» الرائد حمودة عاشوري المجاهد والعسكري والسياسي المثقف