شهيد الواجب. محمود بن محمد الشريف غواطي

شموع من الأوراس
شهيد الواجب
محمود بن محمد الشريف غواطي

بقلم: صلاح الدين تيمقلين

من مواليد عام 1938 بكيمل، ينتمي لأسرة محافظة متدينة، متمسكة ببعدها الوطني. حفظ ما تيسر من كتاب الله في سن مبكرة، كان حصيفا فطنا حيث أظهر قدرات فائقة في مجال الفهم والحفظ، رصين العقل ذاكرته قوية الى حد لا يصدق، نافذ البصيرة له شغف كبير في التمكن من مختلف المعارف، غير أن قريته ـ في ذلك الوقت لم تكن بها مدرسة ـ، لذلك سار نفس مسير أترابه الذين ارتحلوا الى مدرسة اليقين في قرية ـ الولجة ـ التي فتحها الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني باسم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عام 1948.
ما إن حل عام 1949، ونظرا لظروف ـ أحدثتها الإدارة الاستعمارية وأذنابها في القرية ـ حولت المدرسة الى ـ كيمل ـ، فاستبشر السكان بهذا الحدث الذي قرب المدرسة لأبنائهم ـ رب ضارة نافعة ـ، فاستكمل الشاب دراسته في هذه المدرسة بـ (تغليسية) من 1949 الى 1950.
كان من بين تلاميذ صفه في هذه السنة الدراسية: عبد القادر بن عمار زبادية، محمد الصغير بن عمر هلايلي، مصطفى بن عبد الحفيظ تيمقلين، عمر بن أحمد دبابي، عبد المجيد بن مسعود سعداوي، محمد البناني بن الأخضر أنفيف، أحمد بن محمد الأروي، محمد بن بلقاسم تغليسية... كانت علامات رضا أستاذهم عليهم بادية في ملاحظاته المدونة في كراسة الاختبارات بمدرسة ـ كيمل ـ عام 1950/1951: (فائز بنجابة وتفوق).
بعد اتمام دراسته في كيمل، أرسله أستاذه الى قسنطينة لاستكمال الدراسة في المعهد الباديسي عام 1951، وقد أبدى استعدادا كبيرا لا مثيل له في خوض غمار العلم والمعرفة في المعهد، لم يطل به العهد حيث أتم دراسته بالمعهد متحصلا على شهادة الأهلية، التي مكنته من التوجه الى جامع الزيتونة بتونس مع كوكبة من زملائه منهم محمد الصغير هلايلي عام 1954. غير ان اندلاع الثورة في نوفمبر دفع بالكثيرين الى العودة للوطن.
ما ان اندلعت الثورة حتى انضم اليها طلبة جامع الزيتونة منهم من دخل البلاد ومنهم من ساندها بكل ما أوتي من جهد وقوة. في عام 1956 صمّم الطالب محمود غواطي على الالتحاق بالثورة في الداخل ليقتحم ما يخوضه إخوته من شدائد ومكرهات، فتجند متطوعا في جيش التحرير الوطني، وقد أبلى بلاء حسنا مع رفقائه منهم الشهيدين: مدوّر محمد ودبابي عمر. وقد جرح جراحا خطيرة في احدى المعارك بغابات جبال الأوراس، نقل إثرها الى تونس حيث عولج، وكان ذلك في سنة 1957.
بعد علاجه وتماثله للشفاء، خدم الثورة في تونس، وفي عام 1959 كان من ضمن بعثة متوجهة الى الكويت لاستكمال الدراسة حيث حصل على شهادة التحصيل.
بعد توقيف القتال في مارس 1962، عاد الأستاذ محمود غواطي الى الجزائر فالتحق بمكتب الاستعلامات آنذاك، ثم عمل كصحفي في جريدة الأحرار الى جانب الأديب والروائي الطاهر وطار، الذي تربطه به أواصر الصداقة من المعهد الباديسي الى جامع الزيتونة. ومعلوم ان جريدة الأحرار جريدة سياسية أنشأها الطاهر وطار عام 1962. غير ان عمر الجريدة لم يطل حيث قامت السلطة آنذاك بإيقافها، فقفل الأستاذ محمود غواطي عائدا الى باتنة، حيث التحق بسلك التعليم فكانت أول تجربة له في مدرسة النشء الجديد حيث رُسِّمَ فيها عام 1963. بالإضافة الى تطوعة في المدارس الشعبية سواء في باتنة أو ضواحيها.
في نفس السنة التي رُسِّمَ فيها أي 1963، عين أستاذا في ثانوية عباس لغرور بحي شيخي، فكان من أوائل الأساتذة الذين اشتغلوا بهذه الثانوية، وكان من بين أساتذتها آنذاك: عزوزي علي، تغليسية الهادي، عبد المجيد شيخي، كزيز محمد.
وهذا بعض ما جاء في الخطاب التأبيني بمقبرة باتنة لأستاذه وأبيه الروحي أحمد تيمقلين السرحاني:
... محمود غواطي التلميذ والأستاذ المحبوب... كان محبوبا لدى أساتذته، وزملائه في التعليم وفي التعلم، ولدى تلاميذه وتلميذاته، ومن مميزاته الصبر الجميل، والشجاعة، وعلو الهمة، وأكبرها الشفقة: حتى انه فضل أن يضحي بسنتين من تعلمه ـ لكي يحصل على شهادة الليسانس ـ ليبقى مع والده ووالدته يحنو عليهما، بعد أن وجد السبيل للالتحاق بالشرق.
وكانت شفقته العامل الأول الذي أودى بحياته، إذ بلغه أن جماعة هم الفقر ذاته قد عملوا على تفجير عين ماء، فذهب مع ثلة من رفاقه لمواساتهم بالمال والتشجيع. وفي يوم 18 نوفمبر 1964 رجعوا من ـ الدرمون ـ فانقلبت بهم السيارة قرب ـ عين ناقة ـ، فنقلوا الى مستشفى بسكرة حيث عولج أصحابه ( تيمقلين، مستيري، عياشي، زبادية، بيوش)، أما هو فقد كانت اصابته بليغة، فنقل الى مستشفى قسنطينة، حيث قضى نحبه ـ مأسوفا عليه ـ في 21 نوفمبر 1964 في الساعة الخامسة مساء.
وفي يوم 24 نوفمبر نقل جثمانه الطاهر من مدينة قسنطينة في موكب يتركب من 6 سيارات تحمل 36 رجلا من إخوانه، من ضمنهم استاذه أحمد تيمقلين السرحاني، والضابط محمد الصغير هلايلي والطاهر غواطي وأحمد دبابي. وأَمَامَ مسجد العتيق بباتنة صلى عليه أبوه الروحي أحمد السرحاني، وشيعت جنازته الى مقبرة باتنة في موكب لا يقل عن 5 آلاف نسمة، حيث أبّنَهُ بخطاب مؤثر أستاذه وأبوه الروحي أحمد السرحاني. فرحم الله محمود غواطي، الذي أبقى الذكر الحسن بعده.

شهيد الواجب. محمود بن محمد الشريف غواطي Io14

» اختبار الفصل الثالث ج م ع ت ثانوية الشريف محمد بن شبيرة بوسعادة
» الشيخ محمد بلمكي بن محمد المدني بن محمد المكي
» المجاهد البطل الطاهر غواطي
» الواجب المنزلي لشهر نوفمبر2011
» الواجب المنزلي لشهر نوفمبر2011