صورة وكلمة
آل بوزيد وزاويتهم الرحمانية " القرقور"
بقلم: صلاح الدين تيمقلين
هذا موضوع كنت قد نشرته في جريدة الأوراس ثم في جريدة النصر في تسعينيات القرن الماضي، وفي 2009 نشرته في موقع منتدى الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني ـ timguelline.yoo7.com ـ. وقد استفاد منه الكثير في أطروحاتهم الجامعية بل وفي تآليفهم، لكن للأسف فالأمانة العلمية عندهم قد غابت تماما ولم يحترم أحد منهم التنويه بالمصدر، لأن الرسالة الأصلية ليست في متناولهم الا فيما ذكرتُ، ولا أريد أن أذكر أسماءهم لأنهم يعرفون أنفسهم.
تعتبر أسرة بوزيد من الأسر العريقة في الدفاع عن الإسلام ونشر العلم والمعرفة وبث الروح الوطنية وتأجيجها في منطقة الأوراس، ومحاربة الجهل والجمود الذي فرضته الإدارة الاستعمارية، وتقديم يد العون لأبناء المنطقة ومواجهة الفقر والعوز عن طريق زاويتهم التي كان لها شأن كبير منذ العهد العثماني. هذه الزاوية التي حاربتها فرنسا بكل الوسائل من أجل اخماد جذوتها وقطع مددها الروحي والمادي لأبناء المنطقة.
زاوية القرقور: أو مولى القرقور، يعود تاريخها الى الفترة العثمانية، حيث أنشأ آل بوزيد وعلى رأسهم الشيخ سيدي احمد بن بوزيد الذي ينتهي نسبه الى جده ادريس الأول زاوية القرقور بجبل ـ تلات ـ، التى عرفت باسم زاوية مولى القرقور، طريقتها رحمانية، اهتمت بمحاربة البدع والشعوذة، آخر شيوخها قبل الاحتلال الفرنسي الشيخ سيدي محمد بن بلقاسم، وقد دمرتها فرنسا عام 1864 ونفت الشيخ سيدي محمد الصالح مع ثلة من المريدين الى كورسيكا ولم يطلق سراحهم إلا سنة 1874. ثم انتقلت الى ـ بويخفاون ـ قرب سريانة، حيث زارها الشيخ الامام عبد الحميد بن باديس سنوات 18/ 20/ 1926، وكانت الزاوية عامرة بمسجدها وكتّابها، غير ان فرنسا دمرتها عام 1959 فانتقلت الأسرة الى ـ ملال ـ واعادوا بناء الزاوية من جديد، وكان للزاوية دور بارز في ثورات الأوراس خاصة ثورة 1916 والثورة التحريرية. تخرج فيها ثلة من مشايخ المنطقة منهم الشيخ الطاهر مسعودان. وقد وصف الزاوية المؤرخ الفرنسي ستيفان غزال وصفا دقيقا.
الصورة عبارة عن رسالة بخط الامام الشيخ عبد الحميد بن باديس.
محطات في درب الرسالة:
في الحقيقة كانت لهذه الرسالة محطات تاريخية كثيرة مرت بها حتى بلغت مكامن النور، و انبلج صبحها فظهرت، و قدر لها أن تنشر ( لأول مرة ) في تسعينيات القرن الماضي كما ذكرت سابقا، و قبل تفحصها و التعرف عليها و تقديمها للقارئ الكريم ، و التعليق على مضمونها ، يجدر بنا بادئ ذي بدء أن نواكب مسيرتها ابتداء من إرسالها إلى يوم نشرها هذا، حتى يتمكن القارئ الكريم من إدراك كل ملابساتها و أحداثها البعيدة عنها، الملامسة لها، المسايرة و المحيطة بها.
في سنة 1965 ارتأى المفتش الجهوي للأوقاف " باتنة وعنابه " الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني - رحمه الله ـ ضرورة جمع تراث و آثار من أحيا الأمة و أنار لها الدروب وعبد لها السبل نحو الانعتاق و التحرر ، الشيخ عبد الحميد بن باديس - طيب الله ثراه ـ إمام النهضة العربية الإسلامية في الجزائر ، في كل شبر من الشرق الجزائري ، فأرسل لكافة الأئمة و الشيوخ الذين نهلوا العلم والمعرفة من لدن الشيخ الإمام ، طالبا منهم إفادته بأي وثيقة أو معلومة أو حادثة مكتوبة أو مروية عنهم أو عن غيرهم، لها علاقة قريبة أو بعيدة بالشيخ، فكانت الردود متنوعة .
ففي يوم 06 ماي 1965 وردت رسالة من الشيخ ( المولود بوزيد ) إمام مسجد سريانة ، الذي زاول دروسه بقسنطينة مدة عام واحد أي سنة 1939، فتكلم عن طبيعة الدروس و مراكز التعليم المتفرعة عن الجامع الأخضر كسيدي قموش و سيدي بومعزة .... ثم تكلم عن نظام دراسة الطلبة ومراكز سكناهم وكيفية إجراء الاختبارات ...ومنح الشهادات ....
ثم يأتي دور الرسالة ـ موضوعنا ـ فيقول الشيخ مولود بوزيد : " أما بشأن الوثائق المكتوبة بخط بن باديس فلم تكن عندي و سألت أبي و هو تلميذ للشيخ باديس فقال موجودة و ضاعت لي في وسط الكتب ، ففتشنا جميع ما نملك من كتب فلم نعثر على الرسالة المذكورة ، وإنه بلغني خبر عن هاته الرسالة نفسها بأنها موجودة عند الأخ ـ سي عبد المجيد بوزيد ـ إمام بتحمامت ـ المعذر ـ ، و لعل نتصل إليكم من طرف الشيخ عبد المجيد ، هاته الرسالة كتبها الشيخ عبد الحميد إلى جدي محمد حسبما سمعت من أبي لِما كان بينهما من المودة و الإخاء ، و لهذه الغاية تكررت زيارته إلى ـ بويخفاون ـ لِما وجده الشيخ عبد الحميد من الحفاوة والتعاون في نشر الفكرة الإصلاحية و التأييد له ."
وفي 06 جويلية 1965 وردت رسالة من الشيخ عبد المجيد بوزيد إمام مسجد المعذر يذكر فيها أنه قد اهتدى ـ في الأيام الأخيرة ـ إلى الرسالة التي كانت محفوظة في الكتب منذ أمد فبادر بإرسالها إلى الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني الذي عاجلته المنية ـ رحمه الله ـ فعادت الرسالة من جديد إلى بطون الكتب إلى يومنا هذا حيث عثرت عليها في كتاب ـ سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب ـ.
محتوى الرسالة:
كما هو مثبت في الأصل بخط الشيخ عبد الحميد بن باديس:
بسم الله الرحمن الرحيم. حمدا و صلاة و سلاما، قسنطينة 14 ذو القعدة الحرام 1350هـ .
الأخ الكريم الشيخ سيدي محمد بن سيدي مولى القرقور المعظم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أما بعد: فقد أحاطت بي ديون بسبب ما أنا قائم به من المشاريع الخيرية العامة لا بسبب شخصي. ولما ثقل علي حملها التجأت ـ بعد الله ـ إلى خواص أحبائي الذين أثق بمودتهم و تقديرهم للأعمال و كتمهم للأسرار فجعلت على كل واحد منهم ألف فرنك إن شاء عطية و إعانة على الخير و إن شاء سلفة إلى مدة عام.
وأنا أنتظر جوابكم شاكرا سواء أجبتم أو اعتذرتم.
دمتم سالمين. والسلام من أخيكم ـ إمضاء ـ الشيخ عبد الحميد بن باديس.
التعليق:
الإطار الزماني للرسالة:
الرسالة ـ كما هو واضح ـ عبارة عن طلب إعانة محددة بألف فرنك ، نظرا للأعباء الكثيرة التي كانت تحيط بالشيخ الإمام عبد الحميد من كل جانب و تثقل كاهله كثيرا، و إذا ما حاولنا التعرف على إطارها الزماني نجده بالضبط ـ 14 ذو القعدة الحرام 1350 هـ - الموافق لـ 22 مارس 1932، أي بعد عام واحد من تأسيس جمعية العلماء المسلمين الذي كان في 17 من شهر ذي الحجة 1349 هـ الموافق لـ : 05 ماي 1931 حيث بدأت تدب فيها الحركة و انتقل صداها إلى كل شبر من أرض الوطن شرقا و غربا ، و شرعت في تكوين المدرسين و تشييد المدراس الحرة لإخراج الأمة من الغمة التي ظلت تتخبط فيها طيلة قرن من الزمن ـ 1830/1931ـ.
و قد جاء في الرسالة كذلك، و في الجانب الأيمن منها، قائمة من خواص الخاصة الذين اتصل بهم الشيخ الإمام و هم بلا ترتيب:
عمر بن شيكو دفع عطية / حسين بن شريف دفع عطية / أحمد بن حربي دفع سلفا / محمد المصطفى بن باديس دفع عطية / حمراوي محمد الصالح ... / الأكحل عياط قيدوم ....
علاقة الشيخ ابن باديس بزاوية مولى القرقور:
إن الشيخ ابن باديس عندما ألمت به ظروف الحاجة، نظرا لتلك الأعباء الضخمة التي أحاطت به، شرع في سلسلة من الاتصالات بأصدقائه المقربين ـ خواص الخاصة ـ و كان من بينهم شيخ زاوية مولى القرقور ذلك لأن أواصر الصداقة بينهما كانت قديمة و متينة للغاية، و لم تكن وليدة تلك الظروف، ندرك ذلك من خلال ما كتبه الشيخ سي مولود بوزيد في رسالته المؤرخة في ماي 1965 ـ السابق ذكرها ـ التي تكلم فيها عن زيارة الشيخ الإمام ابن باديس لمنطقتهم حيث يقول:
" و قد شاركه أبي ـ يعني الشيخ علي بن محمد بن الطيب ـ في رحلاته الى الأماكن التالية في سنوات - 18 و 20 و 1926 .
* بويخفاون: وهو سكنانا ـ سابقا ـ وهو مكان تحيط به الجبال حلقة الأمن جهة واحدة و هو شرق سريانة ، و حدثني أبي بما سمعه عن أستاذه عبد الحميد بن باديس قال عندما يلقي نظراته على الجبال الشاهقة يقول : " أن الجزائر لا تحصل على حقها إلا بالدم "، فزار مكتب القرآن العظيم و مدرسة للتعليم الديني، وقد تكررت زيارته إلى بويخفاون ثلاث مرات في سنوات 18 – 20 – 1926 .
* المتراس: و قد زارها سنة 1926، وهي قرية صغيرة خلابة بمناظرها الجميلة بما فيها من جبال و بساتين مثمرة و مياه متدفقة وهي غرب سريانه على نحو 4 كلم .
* وادي الماء: الذي هو بين جبال مستاوة وجبال الحجرين المتصلة بالشلعلع وبات في هاته القرية ، ثم اتجه إلى:
* روس العيون: زار الشيخ صديقه الشيخ عبود باللونيسي الذي كان قاضيا بها ثم:
* نقاوس: ذات المياه المتدفقة و البساتين المثمرة وشاهد الآثار القديمة كمسجد سبع رقود وألقى درسا في قوله تعالى:" و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ".
... للموضوع بقية ...
الشيخ المولود بوزيد...
الشيخ عبد المجيد بوزيد... في شموع من الأوراس...