الشيخ الإمام الطيب معاشي
بقلم: صلاح الدين تيمقلين
من مواليد 1897 بأولاد شليح، حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، درس بمسقط رأسه ثم اشتغل إماما في مسجد السطا ـ الأمير عبد القادر بعد الاستقلال. أب لشهيدين قدمهما فداء للوطن: الشهيد الصالح معاش (35 عاما) 1925 / 1957. والشهيد محمد معاش (22 عاما) 1935 / 1957. بالإضافة الى ابنه أحمد معاش الثائر الشاعر والدبلوماسي. عمل الشيخ بعد الاستقلال على محاربة البدع والعادات الهجينة التي حاول البعض ترسيخها عنوة في المجتمع الجزائري لسلبه وتهجينه ومسخه فوقف بالمرصاد لكل هذه المحاولات، وكانت للشيخ الإمام طريقته الخاصة في محاربتها:
وقف ذات جمعة خطيبا على منبر مسجد ـ السطا ـ الأمير عبد القادر حيث كان إمامه الأول في ستينيات القرن الماضي، كان الشيخ خطيبا رصينا ومفوها هادئا في القائه، غير ان كلماته تجد طريقها سلسا الى أذن المتلقي، لا يتوقف عن الوعظ والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي استشرى في المدينة آنذاك عن طريق الجهل وتقليد المستعمر. حيث انتشر ارتداء التنورة القصيرة ـ Jupe ـ والسفور والعري باعتبارها مظهرا من مظاهر التحرر حسب تفكير أذناب فرنسا. فأسدى النصائح تلو النصائح لكن دون جدوى. فخاطبهم في هذا اليوم قائلا: أيها الإخوة ان ما يحدث في المدينة عيب كبير في وجوهكم أنتم باعتباركم أولياء، ولقد لاحظت ان الرجولة ليست من شيمكم وأنكم لا تستحقون هذا الشرف على الاطلاق يجب عليكم حلق شواربكم " حفوا شلاغمكم "! بعد انقضاء الصلاة تجمهر جمع غفير أمام المقصورة للتكلم مع الامام وابداء الامتعاض وعدم الرضا، فاستقبلهم. خير انشاء الله؟ قالوا: لقد أسأت لنا كثيرا أهدرت كرامتنا ومرغت كبرياءنا. ماذا ترغبون؟ قالوا يجب عليك ان تعتذر لنا أمام الملأ. الأمر بسيط لا يستدعي هذه الجلبة قال الشيخ موعدنا الجمعة القادمة ان شاء الله. جاء الموعد وتضاعف عدد " المصلين الفضوليين " الذين جاؤوا لسماع اعتذار الإمام. صعد الشيخ المنبر فاشرأبت الأعناق، وانتصبت الآذان كالأطباق، الجميع يتنفس من الأعماق، وفتحت الأعين واتسعت الأحداق، وساد الصمت في الآفاق، الكل في هدوء واطراق، للاستمتاع بالخطبة في اشتياق، منتظرين بيان الاعتذار والاشفاق، بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه. قال: أيها الإخوة لقد أخطأت فعلا في حقكم الجمعة السالفة، وأسمعتكم كلمات مخالفة، ونفوسكم عنها متبرمة عازفة، وانزعجتم من قولي " حفوا شلاغمكم " إني أعتذر منكم اليوم وأقول لكم: لا تحلقوا شواربكم بل اجدعوا أنوفكم. " ما اتحفوش شلاغمكم نحوا اخشومكم ". فطأطأ الجميع الرؤوس، وعم الصمت المطبق الميؤوس، وتلونت وجوههم ما بين قاطب وعبوس. أنهى الشيخ الخطبتين وقضيت الصلاة وانتشر الجميع في الأرض والهدوء يغمر النفوس، وقد استخلصوا من الخطبتين العبر والدروس.
... للموضوع بقية...