جمهورية الأندلس!

موضوع: جمهورية الأندلس! 2020-09-29, 14:29

جمهورية الأندلس!
بقلم: صلاح الدين تيمقلين
ذلك (الفردوس المفقود)، الذي ما زلنا الى يومنا هذا نرثيه ونبكيه ونعزي أنفسنا فيه. أليس الأجدر بنا أن نحافظ على ما نمتلكه اليوم من جغرافيا حتى لا نورث للأجيال القادمة فراديس أخرى مفقودة يبكونها؟ والحال واضحة في ليبيا وسوريا والعراق واليمن... ناهيك عن فلسطين.
لكن ما قصة (جمهورية الأندلس)؟
معلوم أن الهنود الحمر قد تعرضوا للإبادة من قبل الرجل الأبيض في العالم الجديد، كذلك بالنسبة للروهينقا في ميانمار والإيغور في الصين. هل انقرضت هذه الشعوب؟ هل أبيدت فعلا؟ الجواب واضح...ما تزال الى يومنا هذا متشبثة بتاريخها. كذلك بالنسبة للمسلمين في شبه جزيرة ايبيريا، رغم التقتيل والحرق والاضطهاد ومحاكم التفتيش سيئة السمعة.
لم يكن سقوط الأندلس عام 1492 إيذانا بهروب المسلمين وانقراضهم من هذه البلاد، بل شهدت شبه جزيرة ايبيريا كلها موجة من المقاومة العنيفة ضد مختلف أشكال الترهيب والاضطهاد التي شنها الملوك ورجال الدين والفاتيكان ضد المسلمين هناك. تمثلت في العصيان والتمرد وإعلان الثورة كمحاولة لاسترداد ما ضاع، منها ثورة غرناطة الكبرى عام 1568 الى 1570 م، ومواجهات 1608 التي دفعت بالاسبان الى اصدار قرار طرد كل المورسكيين المسلمين خارج المدن الاسبانية. فتجمع معظمهم في مقاطعة الاندلس جنوبا. والبعض الآخر عبَر المضيق الى شمال افريقيا، وبقي يحن الى العودة، ومازالت الى يومنا هذا بعض الأغاني المورسكية تؤرخ ذلك منها الأغنية الشعبية ( تيكشبيلا) 1608 م التي تعني كلماتها ما يلي:
تيكشبيلا = طريق اشبيلية. تيوليولا = توليو لها، وهو أمل الاندلسيين في العودة. ما قتلوني ما احياوني = من كثرة العذاب. داك الكاس اللي عطاوني = كانوا يفرضون على المسلمين شرب الخمر ليسمحوا لهم بالمرور امعانا في اذلالهم. الحرامي ما يموتشي = أي النصراني لم يمت بعد ثمانية قرون. جات اخباروا في الكوتشي = أي أخباره جاءت مع الذين ركبوا العربة هاربين من الأندلس الى المغرب. (الكوتشي هي العربة التي يجرها حيوان).
ظل المورسكيون (وهم سكان ايبيريا المسلمون) متشبثين بدينهم وعاداتهم في الخفاء، متظاهرين بأنهم مسيحيون حتى لا تتم معاقبتهم والحكم عليهم بالاعدام. فكانت الأجيال تمرر هذا الموروث جيلا بعد جيل. في مطلع القرن التاسع عشر غزا نابليون بونابرت اسبانيا فشتت شملها وقضى على الملكية فيها عام 1808 م، ففر النبلاء والطبقة الارستقراطية ولم يبق الا الشعب، فتكونت مجموعات قومية للدفاع عن البلاد كان من هذه المجموعات: القومية الاندلسية، التي أظهرت بسالة ليس لها نظير في مقارعة العدو.
بعد خروج الفرنسيين قررت القوميات الاسبانية اصدار دستور جديد للبلاد عام 1812 م، اعترف بكافة القوميات الاسبانية بما فيها القومية الأندلسية. غير أن عودة الملك فراندو السابع والطبقة الارستقراطية من جديد أعادت البلاد الى ما كانت عليه، وتم الغاء الدستور الجديد وعدم الاعتراف بالقوميات. وفي 1821 ثار سكان قادس محاولين اعلان جمهورية الاندلس المستقلة، لم تتوقف المقاومة السياسية لسكان الأندلس، بل تصاعدت حدتها في مطلع القرن العشرين على يد الثائر (بلاس إنفانتي).
كان (بلاس) مرتبطا بجذوره وقوميته الاندلسية الإسلامية، حيث أصدر مجلة أطلق عليها (الأندلس)، وكان مفتونا بالشخصيات الإسلامية الاندلسية كالمعتمد بن عباد حيث ألف مسرحية تدور حول حياته (المعتمد ملك اشبيلية الأخير)، لم ينته به البحث والتقصي لهذا الحد فحسب بل قرر السفر الى أغمات في المغرب عام 1923 لزيارة قبر المعتمد بن عباد، وكان ترجمانه جزائري من وهران يدعى موسى بن عبد المؤمن، وفي المغرب أعلن اسلامه سرا. ويعتبر الأب الحقيقي للقومية الأندلسية. كانت له علاقات وطيدة بأمير البيان شكيب أرسلان، حيث التقى به في مؤتمر بجنيف وقد تأثر به تأثرا كبيرا. ونظرا لمواقفه ومطالبه بالحكم الذاتي لإقليم الأندلس تعرض للمتابعة والتضييق، حيث قبض عليه في عهد الدكتاتور فرانكو وحكم عليه بالإعدام، فاعتبر أول شهيد نادى بالتحرر للقومية الاندلسية في القرن العشرين.
من بين النشطاء السياسيين المقربين للشهيد (بلاس) المفكر والأديب الأندلسي (ردولفو خليل بن أمية) من مواليد عام 1901، الذي أعلن اسلامه جهارا مما دفع به الى الخروج من اسبانيا، حيث قصد الجزائر وتونس والمغرب ثم مصر، وكان مطلوبا من قبل السلطة الاسبانية، حيث أفلتَ من حكم الإعدام في عهد فرانكو.
كان للمورسكيين ومنهم (بلاس) و(ردولفو) والصحفي الشاعر (آبل قودرة) وغيرهم الأثر الكبير في بعث القومية الاندلسية في مطلع القرن العشرين، حيث ساهموا في احياء الراية الأندلسية لغرناطة عام 1918 وهي اليوم راية إقليم أندلوسيا، وإذا كان الجميع قد اتفق على لونين اثنين للعلم (أبيض وأخضر)، إلا انهم اختلفوا في بقية التفاصيل فتعددت الرايات (أنظر الصورة).
بالإضافة الى قيام (بلاس) بوضع أول نشيد رسمي لمقاطعة الأندلس يُذكر بأمجاد المورسكيين ويحثهم على وجوب التحرر والدفاع عن قوميتهم الراسخة في التاريخ:
الراية البيضاء والخضراء ** تعود عبر قرون من الحرب
أيها الأندلسيون قومــــــوا ** اطلبوا الأرض والحريــــــة
نحن الأندلسيون نريـــــــد ** أن نعود كما كنـــــــــــــــــا