(العقل السليم في الجسم السليم)

(العقل السليم في الجسم السليم)
هل هي مقولة خاطئة؟
بقلم: صلاح الدين تيمقلين
في منشور سابق طرحت القول المشهور ( العقل السليم في الجسم السليم ) الذي يعود أصله الى اليونان (الفيلسوف افلاطون) ثم الرومان (الشاعر جوفينال)، وأردفته بآية من (سورة المنافقون)، وهدفي اثارة النقاش حول ذاك القول. فتدخل أحدهم بسرعة رهيبة قائلا: ما كان لك أن تساوي بين اقوال البشر والقرآن الكريم. (وقد حَذَفَ تعليقه بنفس السرعة) ومعلوم أن القرآن الكريم فُسِّر بالشعر، قال ابن عباس: ( إذا اعياكم تفسير آية من كتاب الله فاطلبوه في الشعر، فإنه ديوان العرب) حتى يسهل فهمه وادراك معانيه، وهذا موضوع آخر... والآية سقتها لأنها تُفند ذلك القول بكل وضوح.
أما بالنسبة للقول المشهور هذا ـ حقيقة ـ لا يمت بصلة الى الواقع أبدا، بل فيه كثير من العور الواضح، كونه يتكلم عن مجتمعات مختلفة تماما عن بقية المجتمعات الأخرى، مجتمعات الخرافة والحرب والغزو والاستعمار، حيث كانت المدن الاغريقية تَحكم على كل ذي عاهة مهما كانت بسيطة بالموت حتى لا يشكل عبئا عليها في المواجهات التي لا تتوقف، بالإضافة الى رؤاهم الخرافية بأن الآلهة قد غضبت على هذا المخلوق باعتباره قد مسته الأرواح الشريرة قبل ولادته، فوجب عندها قتله، وتَلّةُ الموت شهيرة حيث يُرمى بكل معاق وبكل برودة، كذلك القول ينطبق على الرومان.
وعليه فإن مقولة ( العقل السليم في الجسم السليم) مقولة غير صحيحة، فكم من سليم معافى وقوي مفتول العضلات لم يترك شيئا ذا أهمية يذكرنا به، وفي هذا قال حسان بن ثابت:
لا عيبَ بالقومِ من طولٍ ولا عظمٍ ** جسمُ البغـالِ وأحـلام العصافيـــرِ
في حين خَلد التاريخ أعلاما وأساطين جهابذة الفكر، كانوا معاقين أو مصابين بأمراض مزمنة لازمتهم طوال حياتهم، فالإمام الترمذي كان كفيفا، بشار بن برد كان أكمها، طه حسين كان ضريرا، بيتهوفن كان أصما، وكذلك مخترع الهاتف الكسندر غراهم بال، الشابي كان يحمل مرض القلب من صغره ومات به، المعري كان ضريرا فَقَدَ بصره بسبب مرض الجدري، الشيخ أحمد ياسين دوخ إسرائيل وهو على الكرسي قعيد، الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت كان معاقا، مصطفى الرافعي أصيب بالصمم في سن الثلاثين، والقائمة مفتوحة...
لذلك فالمقولة لا أساس لها من الصحة، فالأعمى والأصم والأعرج والقعيد ومبتور الذراعين أو القدمين وغيرهم، فيهم الكاتب والمخرج والصحفي والمؤرخ والطبيب والمخترع والمقاوم، بل وحتى في الرياضة: السباحة والعدو وكرة اليد... وهذا دليل على فساد هذا القول الذي حاول البعض أن يرفعه الى مرتبة القداسة.