خطبة الشيخ محمد يكن المنصوري الغسيري في احتفالية 1938

شموع من الأوراس

خطبة الشيخ محمد يكن المنصوري الغسيري في احتفالية 1938 بمناسبة
ختم تفسير القرآن الكريم من قبل الإمام عبد الحميد بن باديس

بقلم: صلاح الدين تيمقلين

قامت اللجنة المكلفة بالاحتفال بمناسبة ختم الشيخ الجليل وامام الأمة عبد الحميد بن باديس، باختيار اثني عشر خطيبا من تلامذة الشيخ القدماء والمباشرين في الجامع الأخضر، من بين المختارين اثنين من جبال الأوراس، الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني وقد سبق وقدمت خطبته. والشيخ محمد يكن الغسيري، وهذه هي الخطبة التي ألقاها.
وقد جاء في تقديمه ما يلي:
وهذا تلميذ آخر من الطبقة المباشرة للتعليم في الجامع الأخضر ومن شباب البعثات الجبلية المجاهدة في سبيل العلم والدين واللغة. الدالة مخائلها على انه سيكون لها شأن في خدمة الجزائر من ناحية دينها ولغتها. وحيا الله الشباب العامل.
نص الخطبة:
الحمد لله على نعمه والشكر له على فضله وكرمه. والصلاة والسلام على أشرف انبيائه وسيد اصفيائه. وعلى آله وصحابته وأوليائه.
ايها الاخوة الكرام. ايها الوافدون على قسنطينة لحضور ختم التفسير. وشهود هذا الاحتفال البهيج ذلك الختم قل نظيره في تاريخنا وهذا الاحتفال العظيم بمعناه ومغزاه والزاهر بحضوركم فيه ـ حياكم الله وبياكم وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ايها الوافدون الكرام: لقد بعثتم في نفوس ابناء المسلمين روحا اسلامية جديدة قوية. ولولا الروح الاسلامية فينا ما كان احتفال أمس بختم التفسير. واحتفال اليوم لتكريم الاستاذ الكبير.
أعز الله بكم الاسلام ولغة الاسلام من بعد ما خالها أقوام على وشك الزوال. وأرجف اقوام بزوالها بالفعل فجئتم اليوم تفندون بصنيعكم هذا الحسبان وتدحضون هذا الظن الخاطئ وتقيمون الدليل الملموس على انكم ابناء هذا الدين وهذه اللغة وأنكم أنصارها تبذلون في سبيلها كل قوة مادية او معنوية وترفعون بها شأن أمتكم العزيز، وتبتغون لها الفلاح والسعادة من طريقهما. وترجعون بأخلاق هذا الشعب الى أخلاق القرآن حتى يتبوأ مكانه اللائق به بين الأمم.
ايها الاخوان الوافدون: أنتم همزة الوصل بين العلماء العاملين وبين سواد الأمة الذي لم تزل قواه موزعة بين الحق والباطل وبين الهدى والضلال فأحسنوا الوساطة واحكموا التبليغ واعملوا لإرجاع المبطل الى الحق والضال الى الهداية وقولوا للجميع: ها هي شرعة القرآن تسع الجميع، وها هو الحبل المتين فاعتصموا به، وها هي حجة الله البالغة قائمة على الجميع فارجعوا اليه وادخلوا في حماه الآمن. واتبعوا سبيله الجامعة ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله.
حضرة الاساتذة الكرام.
نشهد انكم اسديتم للشعب الجزائري نصائح غالية وقدمتم لأبنائه اعمالا عظيمة. لا ينكر فضلكم فيها الا مكابر أو ضال ضرب بينه وبين الهداية الاسلامية بسور. اما المسلم المهتدي الذي رباه دينه على عرفان الجميل لأهله فهو يشهد بالفضل لأهله وهو اليوم أعظم الناس فرحا بأعمالكم. ومفاخرة بكم واعترافا بفضلكم.
انا شاب مسلم من ابنائكم كتب له ان يتتلمذ للأستاذ الجليل عبد الحميد بن باديس خمس سنوات كوامل وان يحضر من دروس التفسير غالب سور الربع الأخير من القرآن الكريم، وان يكون حظه من العربية ان صار يعبر عما في ضميره بلسان عربي ويكتب افكاره بقلم عربي. وحظه من الاحساس ان صار يحس احساس أمته لا احساسه الشخصي ويدرك حقيقة حالتها وطرق علاجها.
وبهذه الروح الشريفة التي اكتسبتها من ديني ولغتي وقومي أقف بينكم اليوم وأعلن فيكم باسمي وباسم زملائي في الطلب وعددهم في هذه السنة خمسة وستون وثلاثمائة ـ اننا ما عرفنا قيمة ديننا ولغتنا وقيمنا وتاريخنا الا من دروس الأستاذ ومحاضرات اخوانه الأبرار وخطب الخطباء اللسن وكتابات الكتاب الكرام منهم واعانة الأمة الكريمة لنا على تتميم دراستنا بتشجيعاتها الأدبية والمالية. فقهنا أننا أمة مسلمة عربية دليلها القرآن والسنة النبوية الغراء وهدي سلفها الماجد. وخلقها محبة النفع لجميع الناس وزرع الخير بين جميع افراد البشر ونشر المحبة بينهم جميعا. فقهنا ان الاسلام دين الله الخالد شرعه الله ليعز به عباده المستضعفين في الأرض ويسوي به بين طبقات الناس بالعدل والاحسان لتتم لهم سعادة الدارين وعز الحياتين.
فقهنا من أوامر الاسلام ان لا نسعى في الإضرار بأحد ولا في إذلاله اذا مكنتنا القدرة من ذلك بل نعامل الناس كلهم بالإحسان، وان لا نبغض أحدا لشخصه او لجنسه وإنما نبغض الشر من أية ناحية جاء ونمقت الظلم من أي جو هبت ريحه وان نحترم الأجانب عن ديننا ما احترمونا ونقدر شعورهم ما قدروا شعورنا. ونأخذ كل ما هو نافع عند الأمم لحياتنا مع الاحتفاظ التام والتمسك الشديد بجميع مقوماتنا ثم لا نخشى بعد ذلك لومة لائم اذا نحن صرفنا جهدنا في تعليم لغتنا وديننا وتاريخنا علما منا ان الأمة بدون هذه المقومات معدومة.
وفقهنا بعد هذا كله ان هذه الاعمال الجليلة التي يقوم بها علماؤنا انما هي ملقاة بعدهم على كواهلنا، وإننا خلفاؤهم وورثتهم فعظمت بذلك علينا الأمانة وثقل العهد، وهل نحن مستعدون لحمل هذه الأمانة؟ ذلك متوقف على عزائمنا وهممكم بعد عون الله.
ان مستقبلنا لجليل ولكن متوقف على عزائم قوية وهمم بعيدة في طلب المعالي ونفوس شابة تتربى على هذه الروح القرآنية الكاملة وعقائد راسخة في الحق. وبصائر نيرة فيه. وكل هذا ميسور لمن حكم القرآن في نفسه.
يا قوم قد وعر الطريق أمامكم *** فإذا عزمتم تسهل الأوعار
أيها السادة:
ان ابناءكم تلامذة الجامع الأخضر في هذه السنة يمثلون اغلب مدن القطر الجزائري وقراه. وان وفودكم في احتفال اليوم تمثل كذلك اغلب مدن القطر وقراه فاسمحوا لي ان هذه أعظم بشرى لأبنائكم برضى الأمة كلها عنهم واغتباطها بعلمهم واهتمامها بشأنهم، وان هذا الاتفاق الغريب يحدث في نفس كل واحد منا شعورا بأنه ليس بغريب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

خطبة الشيخ محمد يكن المنصوري الغسيري في احتفالية 1938 Oo10

» خطبة الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني في احتفالية 1938 بمناسبة ختم تفسير القرآن الكريم من قبل الإمام عبد الحميد بن باديس
» الشيخ محمد بلمكي بن محمد المدني بن محمد المكي
» الشيخ محمد عبد القادر العوبي
» الشيخ ميلود بن علي بن محمد بن الطيب بوزيد
» الشيخ ميلود بن علي بن محمد بن الطيب بوزيد