المجاهد الشاعر والأديب الدبلوماسي الثائر أحمد الطيب معاش
بقلم: صلاح الدين تيمقلين
إذا كان شيخ مؤرخي الجزائر أبو القاسم سعد الله في تقديمه ـ الأعمال الكاملة للشاعر والأديب أحمد الطيب معاش ـ قال: ماذا يكتب مثلي عن الشاعر الدبلوماسي أحمد معاش؟ ... فماذا عساي أنا ـ العبد المتواضع ـ ان أقول في هذه القامة التي سمت على كل هامة، لا تحدها علامة، ولا توقفها قوة ولا غرامة. منذ ان طوى خيامه، وجرد للحق حسامه، وبرى للحقيقة سهامه، وانبرى في نظم القريض يبدي فيه غرامه ويجلي أحلامه، ويبلغ رسالة ضمنها حبه ومقته وسلامه، مبرزا نظمه الذي خالط روحه وأنغامه؟ ماذا عساي ان أقول في شاعر ثائر، ومجاهد كاسر، ومُربٍ مثابر قادر، وسياسي له في الدبلوماسية مآثر؟ ماذا عساي ان أضيف لما حُبِّر وسُطِّر، في رجل عاش الثورة في زمن التحرر، وذاق حلاوة الاستقلال المؤزر، ومرارة البعد والمهجر، وعضال الداء المؤثر؟
ولد المجاهد الشاعر في سريانة ـ باتنة ـ عام 1926 تعلم المبادئ الأولى للغة العربية وحفظ ما تيسر من القرآن في بلدته، ثم انتقلت أسرته الى باتنة حيث استكمل تعليمه فيها وكان متأثرا بأمير شعراء الجزائر محمد العيد خليفة. واصل تعليمه بعد ذلك في قسنطينة ومنها توجه الى تونس لإتمام دراسته. بعد عودته للبلاد عينته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مدرسا في مدرسة التربية والتعليم ببسكرة وكان مديرها الى ذلك العهد الشيخ علي مغربي، ومن شيوخها أحمد المغزي وابن برْكات وأحمد تيمقلين السرحاني، وقد صادف ان استضافهم الشيخ علي مغربي في بيته في مارس 1955 فأرخ لذلك الحفل بقصيدة عنوانها ـ رحلة بسكرة و"فرفار" رغم الطوارئ والحصار، حيث ذكر فيها الشيوخ الذين حضروا حفل الزفاف وقد جاء فيها:
شيخنا "المغربي" ليلا دعانـــــــــا *** فاستعرنا الجناح كالأطيــــــــارْ
ونعمنا بمحفلٍ لكـــــــــــــــــــــرامٍ *** وزففنا تهانيَ الأشعــــــــــــــارْ
و"النعيمي" شيخ القوافي حبانـــــا *** كل لون من نبعه المـــــــــدرارْ
و"المغزي" يروي الطريف ويشدو*** بأهازيج بلبل وهــــــــــــــــزارْ
و"علي المرحوم" يحكي حكايـــــا *** عن نضال بهيبة ووقــــــــــــارْ
ومن "المغربي" و"السرحانـــــي"*** يتعالى النقاش مثل شجــــــــــارْ
و"ابن برْكات" صاحب البركــات *** ينثر الابتسام كالأزهـــــــــــــارْ
واستفدنا مــــــن علم "خير الدين" *** دون فلس قديم أو دينــــــــــــارْ
في العام نفسه صعد الشاعر الجبل والتحق بالثورة كضابط بالمنطقة ثم الولاية الأولى، كانت فرنسا بالمرصاد لتحركاته فلما تأكدت من انضمامه للثورة قامت باعتقال والده الشيخ الطيب الذي قدم شهيدين على مذبح الثورة صالح ومحمد. في سنة 1958 دخل تونس بأمر من قيادة الثورة، وعين منسقا إداريا لفريق جبهة التحرير الوطني الذي جاب معه العديد من الدول رافعا الراية الجزائرية مرفرفة في وجه المستعمر الغاشم. في نفس السنة عين عضوا في مكتب المغرب العربي برئاسة السيد عبد الحميد مهري، وكلف برئاسة وفد جبهة التحرير الوطني في بلاد الشام، ورغم كثرة اشغاله إلا انه صمم على التعلم فانتسب لكلية الحقوق بدمشق.
بعد الاستقلال عين سفيرا للجزائر في ليبيا وظل في منصبه الى عام 1969. ولولا فضله وكرمه لما وصلنا كتاب "تاريخ الحركة الوطنية" للمؤرخ ابي القاسم سعد الله، حيث ساهم بقسط وفير في طبعه واخراجه كما نوه صاحب المؤلف نفسه. اختار المنفى الاختياري الى عام 1990 حيث عاد للبلاد من جديد وكانت له مواقف شجاعة في كل الاستحقاقات التي مرت بها البلاد الى ان لقي ربه عام 2005.
والشاعر غزير الإنتاج في القريض والنثر، كتاباته في الحقيقة عبارة عن مفكرة تاريخية لمختلف المحطات التي مرت بها البلاد من الثورة الى ما بعد الاستقلال، عند تصفحها تعود بك الى الماضي وتتجلى لك حيثياتها بل دقائقها وكأنها تحدث لتوها أمام ناظريك. في سنة 2007 وبمناسبة الذكرى 45 لعيد الاستقلال والشباب قامت وزارة المجاهدين بطبع الأعمال الكاملة للشاعر والأديب أحمد الطيب معاش.