طرائف من التاريخ
العقيد (سي ناصر) محمدي السعيد 1912/1994
بقلم: صلاح الدين تيمقلين
يمتاز بشخصية متقدة قوية الإرادة وجذابة، وبعزيمة صلبة مناضلة وثورية. وطنيته تنبع من عمق فكري مؤمن بالدين والتاريخ والجغرافيا، عاطفتة صادقة وجياشة نحو الوطن وأبناء الوطن. كان متأثرا ومعجبا بالقوة العسكرية الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية، ومن المتطوعين في الجيش النازي برتبة ملازم بعد انسحابه من الجيش الفرنسي. من الرعيل الأول لمفجري الثورة التحريرية.
يذكر الرئيس (السابق) ـ حتى لا أقول الأسبق ـ الشاذلي بن جديد ان العقيد (سي ناصر) زارهم ذات مرة في جبهة القتال، وبعد عملية تفتيش قصيرة، جمعوا الجنود ونظموهم في طوابير حتى يتسنى للجميع سماع الخطاب الذي سيلقيه العقيد، لم تكن خطب العقيد بليغة ولكنها حماسية ومؤثرة، كان صوته كهزيم الرعد يشق عَنان السماء مخترقا السكون المخيم على الأجواء.
لم تكن المنصة التي يخطب من عليها سوى طاولة مهترئة، ارتقاها العقيد فبدأت تتمايل بتأثير وزنه وكادت تنكسر، فهب كل من الشاذلي وعبد الرحمن بن سالم بسرعة فائقة وأخذوا بأطرافها لتثبيتها وظلا كذلك الى ان أتم العقيد خطبته ونزل، بعد ان تورمت أيدي الرجلين.
كانت آخر عبارته: تحيا الجزائر... تحيا الثورة... يحيا المجاهدون... ثم ألقى نظرة فاحصة في الجميع ونادى بأعلى صوته ...يحيا ربي... لقد اتفقت مع مفتي القدس صديقي الحاج الحسيني، اننا بعد تحرير الجزائر سنحرر فلسطين...
وفي موقف آخر... كان العقيد (سي ناصر) لا يؤمن بعد الله ورسوله إلا بتحرير الجزائر مهما كان الثمن، فكان يندفع اندفاعا مستميتا من أجل الوطن، لا تهمه العواقب في سبيل التحرر والانعتاق... وفي هذا الشأن اشتكى الشاذلي من الجيش التونسي وسكان الحدود التونسية، الذين يحاولون أخذ سلاح ومؤونة الثوار الجزائريين، فطلب من (سي ناصر) الرأي والمشورة في هذا الشأن، فقال له دون تردد: أقتلهم جميعا! غير أن الشاذلي استعظم ذلك، فهون (سي ناصر) من روعه وقال له: أقتل نصفهم فقط حتى تستتب الأمور!