الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني الذي أنصفته التقارير السرية الاستعمارية، وهمشته جزائر ما بعد الاستقلال!

الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني الذي أنصفته التقارير السرية الاستعمارية، وهمشته جزائر ما بعد الاستقلال!
بقلم: صلاح الدين تيمقلين
الغريب ان مدرسة جمعية العلماء بمشونش منذ 1943، كانت التقارير السرية الاستعمارية تطلق عليها اسم (مدرسة تيمقلين)!
    غير انه بعد الاستقلال وبعد مرور أكثر من نصف قرن على وفاة الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني، لم نجد مدرسة أو مؤسسة تعليمية سميت باسمه... ألا يعد هذا أمرا غريبا؟ ألا يعد هذا اجحافا في حق هذا الرجل؟ حتى لا أقول شيخا فقط! بل كان رجلا شهما ومقداما ووطنيا الى أبعد حد، والتقارير الفرنسية تثبت ذلك (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)، فلماذا هذا التهميش والتضبيب وسياسة عدم الاكتراث والتقييد؟ ... أليس فيكم رجل رشيد؟ أيعقل ان تسمى مؤسسات تعليمية على شخصيات ليس لها علاقة بالعلم والتعليم والثقافة. فعلا... إنه لأمر غريب عجيب!
    ففي تقرير لحاكم بسكرة جورج هيرتز (G. Hiriz) مؤرخ في 31 جانفي 1955، أي بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الثورة التحريرية، موضوعه ـ اقتراح إبعاد الشيخ تيمقلين ـ، جاء فيه:
- يشرفني أن أوضح لكم بأنه صار من الضروري اتخاذ قرار ابعاد الشيخ تيمقلين السرحاني، من مشونش وعلى الأرجح من ربوع منطقة الأوراس كليا، باعتباره (طالب) والزعيم الديني لمدرسة العلماء، يعود أصله الى دوار كيمل وينتسب لقبيلة السراحنة.
         

    ثم يتكلم التقرير عن الخطورة التي يشكلها الشيخ في مشونش خاصة وفي منطقة الأوراس على العموم، باعتباره أكبر محرض على وجوب مواجهة كل أجنبي عن البلاد، مستغلا ذكاءه وقدرته على تعبئة الجماهير لإثارة الحس الوطني وتحريك مشاعر السخط والحقد ضد الوجود الفرنسي في البلاد، مستغلا المدرسة والمسجد والساحات العمومية في تحقيق مآربه الرامية الى تشويه صورة الإدارة الفرنسية، وتعكير صفو أمن المواطنين، ويؤكد التقرير ان كل شباب مشونش بل والكثير من شباب الأوراس قد التحق بهاتة المدرسة لما لها من صيت ذاع في الآفاق في مجال نشر الكراهية والحقد ضد الوجود الاستعماري. حيث يقول التقرير:
    - تُبرز الوثيقة المرفقة التي حررها المتصرف الإداري لمشونش السيد كزبون في 27 جانفي 1955، أن تأثير هذا الشيخ خطير جدا لأنه يوجه الشباب الى طريق القومية والتعصب والتحريض على كراهية الأجانب.
    - من ناحية أخرى، فإن الشيخ تيمقلين هو الصديق المقرب للخوجة نجاحي الطيب، لذا يجب ابعادهما لأسباب سياسية، اعتمادا على الرسالة المؤرخة في 27 جانفي 1955 من قبل الحاكم المتصرف لمشونش، التي أكدت العلاقة الوطيدة بينهما وبين المتمردين عموما، خاصة الخارجين عن القانون من أمثال: برحايل حسين وشبشوب الصادق وزلماط لخضر.
    ـ وفي الملاحظة (B) من نفس التقرير، يثبت ثبوتا يقينيا أن العديد من طلاب مدرسة تيمقلين (Medersa TIMGUELLINE) ـ هكذا يسميها التقرير ـ هم متواطئون نشطون في خدمة المتمردين.
           -

         

         
 
    ثم يعود التقرير الى الماضي ويذكر أن الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني كانت له نشاطات مشبوهة قبل ـ حوادث ـ 1945، وكان من الذين حاولوا تحريض الشعب على العصيان واتباع خطوات المدن والبلدات الأخرى التي انتشرت فيها هذه الأحداث، ويذكر التقرير موقفه هذا حيث يقول:
    ـ عندما استتبت الأمور في مشونش، عُهد بالتعليم الديني بالكامل إلى الشيخ تيمقلين السرحاني، الشخص الوحيد الذي كان في عام 1945 صاحب موقف مشبوه ضد الإدارة الفرنسية في منطقة الأوراس، مع الزعيم الشيوعي شباح المكي.
   
    ثم يعرج التقرير على مساهمة الشيخ أحمد تيمقلين في الاستعداد والتهيئة لـ: ـ التمرد والعمل الإرهابي ـ وهو يقصد بذلك الثورة التحريرية. حيث يؤكد أن الشيخ قام بعدة جولات في صيف 1954 قبل اندلاع الثورة بأشهر في ربوع الأوراس، وقام بزيارة معظم القرى والدواوير والمداشر حاثا الشباب على وجوب الاستعداد لما هو في صالح الأمة، والوقوف الى جانب الحق لتحرير البلاد والعباد من ربقة المستعمر الغاشم. مبشرا بأن زمن تحرر الشعوب المغلوبة قد حان فيجب استغلال الفرصة وعدم التراخي. وقد لاقى من ـ القياد ـ الكثير من العنت والاستهزاء والتهديد وحتى الطرد. وأنا لا أجزم ان الشيخ كان له علم باندلاع الثورة على اعتبار علاقاته الوطيدة بالرعيل المفجر لها، لكن تقرير الاستخبارات الفرنسية لا يشك في ذلك على الاطلاق. وفي هذا يقول التقرير:
    ـ خلال صيف عام 1954، قام تيمقلين بجولة عامة في جميع دواوير الأوراس، وهي حقيقة ذكرها العديد من ـ القياد ـ، ولا سيما ـ قايد ـ دوار بوزينة، الذي اعتبر ان وجوده غير مرغوب فيه خاصة في المنطقة التي يديرها.
         
    وفي الأخير يؤكد التقرير أن الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني، هو من سمم الأجواء في مشونش والأوراس وحرض على مناهضة المستعمر ومحاربته، وهو من قام بتوجيه الشباب الى هذا الهدف الذي سيوصل لا محالة الى المبتغى المنشود طال الزمن أو قصر. حيث يستطرد:
    ـ لا بد أن هذه الشخصية المتميزة بالهدوء والرصانة قد ساهمت بشكل كبير في زعزعة الجو السياسي لمشونش وخاصة في توجيه الشباب نحو طريق الوطنية المتشددة المكافحة.