الشيخ مصطفى تيمقلين السرحاني

الشيخ مصطفى تيمقلين السرحاني
المجاهد القاضي والمشرف على التعليم في أوراس أثناء الثورة
بقلم: صلاح الدين تيمقلين
المجاهد القاضي الشيخ مصطفى تيمقلين من الرجال القلائل الذين اعتبروا جهادهم أثناء الثورة التحريرية جهادا في سبيل الله ووساما يتوشح به يوم لا ينفع مال ولا جاه ولا بنون، وليس جهادا يُنتظر منه مقابلا أو يتبجح به في المنتديات، أو قصصا عنترية يرويها عن جهاده، حيث يموت الجميع ويبقى الراوي حيا وكأنه مكلف بمراقبة الوضع ورصده ثم روايته.
كان الشيخ مصطفى رجلا ورعا تقيا زاهدا في الحياة الدنيا، شديد التمسك بمبادئ الدين، حريصا على دينه الى أبعد حد. وطني الاتجاه حتى النخاع، عفيفا لم يصعر خده لأحد، ولم يمرغ همته من أجل منافع الدنيا، عاش بعيدا عن كل المغريات والملذات، وعن أعراض الدنيا الفانية، كان بإمكانه الحصول عليها كالكثير من رفاقه في الجهاد. غير أنه فضل أن يعيش بعيدا عن كل ما يفسد آخرته، لم يحدث نفسه أبدا في امتلاك مسكن خاص به، بل سكن في بناية قديمة خربة آيلة للإنهيار واقعة في البيعة القديمة وسط مدينة باتنة الى أن لقي ربه.
من مواليد 1922 بدوار كيمل، ينتمي لأسرة متدينة محافظة متوسطة الحال، حفظ ما تيسر من كتاب الله في حوش أبيه بذراع ادّار قرب الوسطية بكيمل. كان الذراع الأيمن لأخيه أحمد تيمقلين السرحاني، يسهر على تلبية حوائجه ويزوده بكل ما يحتاج من مؤونة وزاد ومال وهو تلميذ سواء في زاوية تيبرماسين أو في خنقة سيدي ناجي وحتى في قسنطينة. بعد عودة أخيه الى البلدة عام 1940، كان دائم الحضور لدروسه، ملازما له في مدرسة مشونش وفي مدرسة ولجة ششار، الى أن فتح الشيخ مدرسته في كيمل عام 1950 فالتحق بها، وكان من ضمن مجموعة طلاب متميزين منهم: عبد القادر بن عمار زبادية، محمد الصغير بن عمر هلايلي، عمر بن أحمد دبابي، عبد المجيد بن مسعود سعداوي، محمد البناني بن الأخضر أنفيف، أحمد بن محمد الأروي، محمد بن بلقاسم تغليسية... كانت علامات رضا أستاذهم بادية عليهم في ملاحظاته المدونة في كراسة الاختبارات بمدرسة ـ كيمل ـ، وما زال كشف نقاط الطالب مصطفى المؤرخ في 04 جانفي 1950 للثلاثي الأول وهو في طبقة (القطر) يشهد على مدى نبوغه بملاحظة (ناجح بنجابة وتفوق).
بعد أن أتم دراسته على يد أخيه، انتقل معه للمرة الثانية الى مدرسة مشونش، ونظرا لظروف الكساد والبطالة التي كانت تمر بها البلاد قرر الشيخ مصطفى تجريب حظه كغيره من أبناء جلدته في الهجرة الى فرنسا بحثا عن العمل. في سنة 1952 وبعد تمكنه من الوثائق اللازمة هاجر الى فرنسا مع مجموعة من رفاقه واستقر به المقام بمدينة ليون.
في مدينة ليون اشتغل في معمل للحرير، وفي نفس الوقت كان عضوا مستشارا في شعبتي ليون ونوفيل لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كان يترأسها معتمد جمعية العلماء بليون السيد عيسى دوس، الى جانب الكثير من الشخصيات مثل: السعيد سلطاني، صالح خنفر ومحمد الشريف بوخروبة وغيرهم. حيث تم تأسيس مدرستين تابعتين للجمعية بليون ونوفيل، كانتا تسير من قبل أعضاء الشعبة. وكان الشيخ مصطفى معلما متطوعا في الفترة الممتدة من 1953 الى مطلع عام 1956.
ظل الشيخ مصطفى في فرنسا الى اندلاع الثورة التحريرية، حاول مع مجموعة من رفاقه الدخول الى الجزائر غير أنهم لم يفلحوا في ذلك نظرا للظروف التي كانت تعيشها البلاد بعد فرض حالة الطوارئ العامة في فيفري 1955. بقيت هذه المحاولات مستمرة الى أن أثمرت في عام 1956 حيث تمكنت مجموعة من التسلل عبر تونس ومنها الى الأوراس وكان من بينهم الشيخ مصطفى.
في نفس السنة ـ منتصف عام 1956 ـ التحق بصفوف جيش التحرير، حيث عين مشرفا على مراكز التعليم التابعة للثورة التحريرية في الناحيتين الثانية والرابعة من المنطقة الثانية الولاية لأولى، والى جانب مراقبة التعليم والمعلمين، يقوم كذلك بتوزيع الكتب والبرامج والجوائز على التلاميذ، والمنح على المعلمين، وأحيانا يقوم بالتدريس. وفي سنة 1958 كلف بفرع القضاء بالناحية الثانية من المنطقة الثانية التي كان يقودها الضابط الثاني محمد الصغير هلايلي للولاية الأولى التي كان يشرف على القضاء فيها الشيخ محمد الصالح شيخي، ثم الناحية الرابعة المنطقة الثانية.
مازال أرشيفه المكتوب بخط يده حول القضاء أثناء الثورة التحريرية، ومراسلاته مع قاضي الولاية الأولى أثناء الثورة الشيخ محمد الصالح شيخي محفوظا لدى نجله عبد الحفيظ الى يومنا هذا.
بعد الاستقلال عين عضوا في اتحادية آريس، غير انه لم يكن راضيا على العمل في الحزب، وكان يتوق دائما للعودة الى نشاطه الأول وهو التعليم. كانت رغبته في أن يبقى مناضلا بسيطا في الحزب، وألا يترشح لأي منصب او مسؤولية كانت، بل كان يتمنى أن يحصل على عمل بسيط يوفر له قوت يومه فحسب. في سنة 1972 التحق مرة أخرى بالتعليم، فاشتغل كمراقب في المعهد الإسلامي، وظل في هذا المنصب الى أن تقاعد عام 1985، تفرغ عندها للمطالعة الى ان لقي ربه عام 2002.

» الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني
» من أرشيف الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني
» الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني مع بعض المجاهدين
» حياة الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني
» من أرشيف الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني