صورة وكلمة
عودة الأبناء الى حضن الوطن
بقلم: صلاح الدين تيمقلين
جاء في المثل: اذا اختلط الماء بالتراب يسمى طينا، واذا اختلط الدم بالتراب يسمى وطنا.فرنسا أرعبتها جماجم الأبطال، ونحن لأصلها وعرقها في جدال، بدل الترحم والوقوف وقفة اجلال.
استُغل التاريخ في بلادنا سياسيا منذ الاستقلال، فهو دائما وقود طاولة القمار السياسي. لاعبو هذه الطاولة المشؤومة في سبات دائم لا ينجلي عادة الا في المناسبات أو ما يطلق عليه ـ الاستحقاقات ـ. ولا يستيقظون الا بعد ان يشعروا بأن حنفيات تدفق المال قد فتحت وان منسوب التدفق عال جدا عندها ينتعشون، فيستحوذون على المال السائب، وعلى المناصب الجالبة للجاه المزور الكاذب، ثم يعودون الى ما كانوا عليه من سبات خائب.
الغريب انه في زماننا هذا ظهرت طائفة أخرى أكثر شراهة من الأولى شرعت في توظيف تاريخ الأبطال في الترهات العرقية والجهوية. لا أدري ـ حقيقة ـ ما الهدف من ذلك والى ما يرمون اليه بقولهم: هذه الجمجمة أصلها من... وجذورها تعود الى... بل ان عرقها ينتهي ـ بلا شك ـ عند النبي فلان... ربما الصحابي أو التابعي فلتان... لا بل واضح انها شبيهة بجمجة علان بن زيان... لا وألف لا ان الجبهة تشير الى خلفان من بني نعمان... أو انها غائرة في القدم تعود الى "ناس" عين لحنش وتغنيف الشجعان... أوانها ترجع الى انسان ما قبل الانسان!
ما هذا الهراء بربكم؟! ...انها لا شك جمجمة ثائر جزائري اختلط دمه بالتراب فكون وطنا لي ولك ولغيرنا من بعدنا، أخْرَجَنَا من النكران والغمة، ورفع هاماتنا وزادها هِمّة. ونوّر تاريخنا وسما به الى القمة، انهم جواهر رصعت تاريخنا وعجنتنا أمة. ان النبش في الماضي والعودة الى التاريخ نكوص محمود للانطلاق نحو الأمام، فالسهم لا ينطلق الا إذا عدت بوتره الى الخلف، غير ان نكوصنا مذموم لأننا شددنا فبالغنا في الشد حتى انقطع الوتر وانكسر السهم فتكلست صورتنا وبقينا نلوك ماضينا.
حتى ان فرنسا الغاشمة من خوفها خطفت جماجم الأبطال بالعسف، واحتفظت بها قرنا ونصف، في صناديق فولاذية محكمة الوصد، مغلقة بأقفال لا تفتح الا بأمر قضائي عال. تُرى هل جماجم أجدادنا ترعبهم الى هذا الحد؟ هل جماجم أجدادنا بقي فيها ما يفزع العدو ويُرَوّعُه الى يومنا هذا؟ انها جماجم شجعان قضّتْ مضاجع المستعمر الغاشم والتابع الخائن في الجزائر بالأمس، ولا يزال تأثيرها كابوسا يسكن قلوبهم وينغص عليهم الحياة ويلاحقهم من حين لآخر، لذلك قررت فرنسا التخلص من هذا الكابوس وابعاد هذه الجماجم التي تكدر صفو هدوئها وتقلب مزاج وجودها فوق هذه البسيطة.
انها فرص يمنحها الله عز وجل لجمع الكلمة وترسيخ الوحدة، هذه الوحدة التي ضحّى من أجلها ملايين من الجزائريين من زمن بعيد، وليست لِبثّ الفرقة والتشرذم والانقسام الذي لا يخدم الا المترصد المتحين لهذه الفرص ليحقق غرضه ويصطاد طريدته.
قال الشاعر رمضان حمود الجزائري الميزابي في الحرية والجزائر1905/1929:
لا تلمني في حبها وهواهـــــــا *** لست أختار ما حييت سواها
هي عيني ومهجتي وضميري *** إن روحي وما إليه فداهـــــا
إن عمري ضحية لأراهـــــــا *** كوكبا ساطعا ببرج علاهـــا