صورة و كلمة
لماذا هدمت الكنيسة وبقي "جامع ليهود"؟
بقلم: صلاح الدين تيمقلين
لا شك أنك تساءلت يوما: لماذا هدمت كنيسة باتنة في سبعينيات القرن الماضي؟ لكنك لم تطرح السؤال التالي: لماذا لم تهدم بيعة اليهود ـ Synagogue ـ أو "جامع ليهود" كما نسميه؟ بل البيعتان المتقابلتان في شارع ـBugeaud ـ قرين بلقاسم؟ ومازالتا الى يومنا هذا قائمتين احداهما جمعية والأخرى مستودع للمركز الجهوي للتوثيق والتوزيع التربوي.
وقد بلغ الى مسمعك ـ دون شك ـ ان واليا من ولاة باتنة هو من أقدم على هذا العمل الهمجي. وانه لقي مصرعه بعد أسبوع واحد في حادث مرور مروع. وقال بعضهم: ان الله عز وجل انتقم منه لفعلته الشنيعة. ولكن: " ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" (النحل:61). وهل يستطيع الوالي ان يتخذ قرارا كهذا من عندياته، ضاربا عرض الحائط المواثيق الدولية لحماية الأماكن المقدسة.
هذا الادعاء هدفه تسفيه الدين الإسلامي والنيل من المسلمين وحضارتهم و اعتبارهم همجيين لا يستطيعون التعايش مع غيرهم ممن يختلفون معهم في الدين وأنهم عدوانيون تجاه الآخرين، وان حضارتهم تتمثل في تسوية كل ما له علاقة بالحضارة بالأرض. فالغرب لا يفرق بين الشعوب وحكامهم ويجعلونهم في أرومة واحدة.
الغريب ان البيعة ـ جامع ليهود ـ مازالت الى يومنا هذا تحتفظ في جوفها ( بمحراب ) أي خزانة الأسفار المزخرفة والمكتوب فوق ستارها الخشبي الوصايا العشر بالعبرية على لوح من الرخام، موجهة نحو الشرق أي نحو ـ أورشاليم ـ بيت المقدس في قاعة كبيرة للصلاة. وقد قسمت القاعة في الستينيات الى قسمين دَرَسَ فيهما طلبة المعهد الأصلي وأساتذتهم الأزهريون ولم يُبدِ أحد امتعاضه أو رفضه لخزانة الأسفار اليهودية، بل دُرست مواد التوحيد والتجويد وتسميع القرآن الكريم بالقرب من هذه الخزانة. ودَرس بعدهم تلاميذ متوسطة قرين بلقاسم وأساتذتهم الجزائريون ولم يتعرضوا لهذا المعلم أبدا. وما زالت النجمتان اليهوديتان قابعتين الى يومنا هذا وراء اللافتة التي تحمل اسم الجمعية.
لكن لا أحد يذكر الرأي الآخر الذي مفاده ان رجال الدين في أبرشية باتنة ـ Paroisse ـ هم من طالبوا بهدمها لأنها كانت آيلة للانهيار، وهذا بناء على دراسات معمارية متخصصة في هذا الشأن. وقد شُرع في بنائها عام 1855 بطريقة ارتجالية لم تهتم بطبيعة الأرض ولا بحركاتها الباطنية، فمنطقة باتنة عموما مركز زلزالي نشط وهذا ما أثر في الكنيسة كثيرا. حيث ظهرت العديد من التشققات والتصدعات على جدرانها، وتساقط الملاط الاسمنتي بسبب الظروف الطبيعية القاسية، وزادت حالتها سوءا بعد الاستقلال، وذاك ما أدى بهم الى اتخاذ ذلك القرار. وقد احتفظ رجال الدين بالنواقيس الثلاثة التي صنعت من قبل فرقة عسكرية وتبرعت بها للكنيسة.
ان بقاء البيعتين الى يومنا هذا، ومعالمها الداخلية التي مازالت تشهد على مرور اليهود من هنا، دليل واضح على مدى التسامح وروح الإنسانية التي يتحلى بها الجزائريون رغم اختلافاتهم التي لا تنتهي مع اليهود الا بعد استقلال فلسطين واسترجاع أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.