صورة و كلمة
معتقل فيرمة ليكا ـ Domaine Saint-François ـ
بقلم: صلاح الدين يمقلين
تعود ملكية المزرعة الى أسرة من أكبر المعمرين في المنطقة تدعى ديلينسجير ـ Dillenseger ـ تمتد في العين السخونة وتفودة في جرمة بلدية المعذر على بعد 25 كم من باتنة. أعارها في ثلاثينيات القرن الماضي لنادي باتنة للطيران ـ L’Aéro-club de Batna ـ قبل تشييد مطار باتنة. بعد وفاته انتقلت ملكيتها لابنته قرينة النقيب ليكا ـ Capitaine Lucas ـ الذي بدوره وضعها في خدمة الإدارة الاستعمارية فأصبحت مركزا للتعذيب والاستنطاق ابتداء من 1956. وَعُد بذلك من أكبر مراكز الاستنطاق في الجزائر.
يتكون المعتقل من ثلاثة أفنية كل فناء به ثلاثة عنابر كل عنبر تحشر فيه 500 نفس علما ان هذه العنابر معدة أساسا للحيوانات. بالإضافة الى زنزانات جماعية مهيأة للتعذيب النفسي، ولما كان المعتقل مركز عبور فقط فإن المعتقَل اما ان يُقِر تحت وطأة التعذيب الوحشي أو يقتل ويردم فيه أو في الضواحي، وقد وجدت في فنائه رفات لخمسة عشر شهيدا.
غير ان صاحب " المزرعة " ليكا فيما بعد لم يسعد كثيرا بهذا الكرم الذي تكرم به على جهاز استخبارات بلاده حيث استطاع البطل ثم الشهيد العيد مسعودي ان يجهز عليه عام 1959. وقد سميت المزرعة بعد الاستقلال باسمه. وحولت في الوثائق الى متحف عام 2008.
على ذكر المتحف، عندما تزور الموقع وتدخله يخيل لك انك في خرابة بأتم معنى الكلمة. فالأبواب والنوافذ ان صحت التسمية أو ما بقي منها مكسور ومهشم، والأرضية غزاها العشب وكأنها مهجورة من زمن بعيد. يذكر القيم على الموقع ان الأسقف كلها مهلهلة عند سقوط الأمطار يتحول المكان الى بحيرة. القاعات والغرف تسكنها مختلف الطيور والهوام والأراقم، معرضة مباشرة للظروف المناخية العاتية. يذكر كذلك ان أحفاد المعمر صاحب المزرعة زاروا المكان وذرفوا الدموع على جدهم وليس على ماض مليء بالقسوة والعنصرية ضد الجزائريين. أما نحن فماضينا مملوء بالبطولات، فالموقع يعبق برائحة الشهداء وأنات المعذبين وأهات الثكالى وعبرات اليتامى. غير أننا لا نبالي ولا نهتم على الاطلاق بهذا المعلم التاريخي الذي يعد معلما مشعا في تاريخنا. لو انه في دولة أخرى لوجدته معلما سياحيا مرمما مهيأ يعج بالزوار من تلاميذ المدارس والثانويات وطلاب الجامعات والمعاهد ناهيك عن الفضوليين. لكن للأسف العيب فينا، قال الشاعر محمود غنيم في قصيدة وقفة على طلل:
استرشد الغرب بالماضي فأرشـده *** ونحــن كان لنا ماض نسينـــاه
انا مشينا وراء الغرب نقتبس مـن *** ضيائــه فأصابتنا شظايــــــــاه